فيروس كورونا: مساعدات من أفراد الجالية الجزائرية بالمهجر تضامنا مع بلادهم لمحاربة الوباء رغم العراقيل
متابعه/ انتصار حسين
ازدادت المساعدات التي يقدمها أفراد الجالية الجزائرية في الخارج للمستشفيات الجزائرية وبعض المناطق المعزولة التي تعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية الضرورية لمكافحة وباء كوفيد-19، كمكثفات الأكسجين وبعض الأدوية الأساسية.
لكن بعض المانحين يخشون أن يؤثر القرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية والقاضي بإرسال جميع المساعدات الطبية والمالية إلى وزارة الصحة التي ستقوم بتوزيعها على المحتاجين، على هذه الهبة التضامنية غير المسبوقة.
يتوقع أن يصل وفد إلى الجزائر في الأيام القليلة المقبلة يضم أطباء مختصين وممرضين جزائريين في مهمة إنسانية وطبية لتخفيف الضغط على المستشفيات التي تواجه إقبالا كبيرا للمرضى المصابين بفيروس كورونا ونقصا حادا في مكثفات الأكسجين والمستلزمات الطبية الأخرى.
ويأتي هذا في وقت ازدادت حدة انتقادات المواطنين الجزائريين إزاء حكومتهم التي يتهمونها بعدم تسخير كل الإمكانيات الضرورية لإسعاف المصابين بوباء كوفيد-19 والتقاعس في بناء مراكز لتوليد الأكسجين وعدم مضاعفة عدد الأسرة في أقسام العناية المركزة.
لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أكد امس الأحد في حوار صحفي أن الدولة الجزائرية “سخرت ما لا يقل عن 3 مليارات دولار لمحاربة جائحة فيروس كورونا منذ بدء انتشارها” في فبراير 2020.
وأمام هذا الوضع الصحي المتردي والارتفاع اليومي لعدد المصابين بالسلالة المتحورة دلتا في الجزائر (حوالي ألف حالة يومية منذ بداية شهر يونيو الماضي) قررت جمعيات جزائرية في المهجر تنظيم نفسها وتزويد بعض المستشفيات، خاصة تلك التي تقع خارج المدن الكبرى كالجزائر العاصمة ووهران وعنابة، بمعدات طبية ومكثفات أكسجين وأدوية ومستلزمات صحية أخرى.
ومن بين هذه الجمعيات، يمكن ذكر “الشبكة الطبية الجزائرية” التي تأسست في شهر يناير 2020 وتضم أطباء ومتخصصين في مجال الصحة يعملون في أوروبا. هذه الشبكة سبق وأن قدمت مساعدات طبية للمستشفيات الجزائرية خلال الأشهر الأولى من ظهور وباء كوفيد-19 وذلك بالتنسيق مع جمعية جزائرية أخرى تدعى جمعية “الشفاء” التي كانت تستقبل المساعدات.
وأمام الانتشار المقلق للمتحورة دلتا في شهر يوليو الماضي، قررت هذه الشبكة جمع تبرعات مالية قدرت بأكثر من 640 ألف يورو أرسلتها إلى الجزائر، حسب ما أكدته نسرين محرزي، منسقة هذه الشبكة في حوار صحفي مع جريدة “الوطن” الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية.
وأضافت “أتابع شخصيا عمليات المساعدة التي تقوم بها الشبكة وأسهر على شفافيتها وأتأكد أن كل المعدات الطبية التي أرسلت والأموال وصلت إلى الجهات التي نريد مساعدتها”، موضحة في نفس الجريدة أن “كل المعدات الطبية التي قامت الشبكة بإرسالها إلى الجزائر ستستلمها الصيدلية المركزية والتي ستقوم بدورها بتوزيعها على المستشفيات المحتاجة والمناطق الأكثر تضررا”.
مبادرات تضامنية أخرى قامت بها الجالية الجزائرية المقيمة في كندا والولايات المتحدة، وتمثلت في إرسال معدات طبية ومكثفات للأكسجين في حين وصلت المبالغ المالية التي جمعت إلى أكثر من 2 مليون يورو حسب ما كتبته جريدة “الوطن”.
من جهته، ثمن رمتان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري “الجهود التي بذلتها الجالية الجزائرية في المهجر لإسعاف المتضررين. وقال في بيان نشر في 6 أغسطس”باسم الرئيس عبد المجيد تبون وباسمي كوزير للجالية الجزائرية في المهجر، أحيي بكل حرارة المجهودات التي بذلها جزائريو المهجر وروح المسؤولية والالتزام التي أظهروها في الحرب التي نخوضها ضد وباء كوفيد-19”.
لكن الوضع تغير بين عشية وضحاها حيث تدخلت السفارة الجزائرية في الموضوع وأعلنت في بيان لها أن كل “المساعدات مهما كانت طبيعتها، مالية أو متكونة من معدات طبية، يجب أن تلقى تصريحا من قبل مصالح السفارة والقنصليات الجزائرية بفرنسا من أجل إرسالها إلى الجزائر”.
وكتبت السفارة في بيانها “الجمعيات وكل الذين يريدون إرسال مساعدات إلى الجزائر لمواجهة وباء كورونا عليهم الاتصال بمصالح القنصليات لكي تمنح لها الإذن للقيام بذلك”، موضحة أن “وزارة الصحة الجزائرية هي الوحيدة المخولة لاستلام هذه المساعدات وهي التي ستقوم بتوزيعها”.
وأضاف في شريط فيديو قصير “أنا أمثل كل الجزائر وليس منطقة ما. المساعدات التي تبعث من قبل جمعيات المهجر يجب أن تذهب إلى الصيدلية المركزية. أما الذين يريدون مساعدة أناس من قراهم أو من أحيائهم، فما عليهم إلا أن يوصلون هذه المساعدات بإمكانياتهم الخاصة”.
وأربك بيان السفارة الجزائرية كثيرا أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا إذ عبروا على مواقع التواصل الاجتماعي عن امتعاضهم من هذا القرار وخشيتهم من أن يتم “تحويل هذه المساعدات أو تقديمها لغير المحتاجين لها”.
من جهتها تساءلت مواطنة جزائرية تعيش بباريس: “لماذا يريد النظام الجزائري أن يستغل كرم الناس ويلمع صورته بفضل مساعدات لم يكن هو من قدمها بل منحت من قبل أفراد من الجالية الجزائرية”، مشيرة إلى أن “السلطات الجزائرية لها الحق الكامل في أن تشترط أن تكون المعدات الطبية تتوافق مع المواصفات الصحية المعمول بها من قبل وزارة الصحة الجزائرية وأن تكون عملية إرسال هذه المعدات قانونية وشفافة، لكن لا يمكن للسلطة أن تقرر إلى أية جهة يمكن منح هذه المساعدات. هذا عبارة عن استغلال لكرم الآخرين”.
وتابعت “في الحقيقة النظام الجزائري لم يتوقع هذه الموجة من التضامن لأنها أظهرت مدى غيابه على الأرض في وقت الشدة”. فيما انتقدت بعض الأحزاب السياسية قرار السلطات الجزائرية استلام جميع المساعدات من قبل وزارة الصحة.
فقال عثمان معزوزي، الناطق الرسمي باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب معارض): “بيان السفارة الجزائرية في فرنسا هو بمثابة عائق حقيقي وإضافي لاستمرار المساعدات التي يقدمها أفراد الجالية لجزائري الداخل الذين يعانون من الإهمال الحكومي”. مشيرا “ليست الدولة هي التي تملي من يجب مساعدته”.
وأضاف حكيم بلحسن، عضو في المكتب الرئاسي لحزب جبهة القوى الاشتراكية الذي أسسه الزعيم الراحل حسين آيت أحمد:””بيان السفارة يحتوي على عدد من العراقيل والشروط التعجيزية التي تحول دون إيصال المساعدات من فرنسا إلى المناطق المتضررة في البلاد”، داعيا في الوقت نفسه “إلى كسر كل الحواجز والعقبات وتسهيل عمليات التضامن”. فهل ستغير السلطات الجزائرية موقفها إزاء هذه المساعدات التي تقدمها الجالية الجزائرية في المهجر؟