أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
الفلك في حياتنا اليومية
متابعة . محمد مرزوق
أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
علم الفلك
يُعنى بدارسة الأجسام السماوية والظواهر التي تحدث خارج الغلاف الجوي للأرض، ولكن هل تشكل دراسة علم الفلك أي أهمية في عالم يواجه العديد من المشاكل المتمثلة في الجوع والفقر وغيرهم؟
تقتطع الدول ميزانيات ضخمة لإنشاء المراصد الفلكية أو لإطلاق التلسكوبات الفلكية إلى الفضاء، فمثلًا تُقدر تكلفة وضع تليسكوب جيمس ويب الفضائي في مداره حوالي 8.8 مليون دولار،
والذي سيكون خليفة تليسكوب هابل الفضائي وقد كانت تكلفة صنع تلسكوب هابل الفضائي قد فاقت المليار دولار، ولكن لماذا؟
لطالما كان لعلم الفلك تأثيرًا كبيرًا على نظرتنا للعالم، فنجد أنَّ الحضارات القديمة ربطت آلهتهم مع الأجرام السماوية،
وربطوا تحركات تلك الأجرام بتنبؤاتهم لما سيحصل في المستقبل،
وهذا ما نسميه الآنْ بعلم التنجيم الذي هو بعيد كل البعد عن علم الفلك الحديث مع كل حقائقه وأدواته. والآنْ، مع تقدم فهمنا للعالم،
نجد أنفسنا ورؤيتنا للعالم أكثر ارتباطًا بالنجوم. فمع اكتشافنا أنَّ العناصر الأساسية التي تشكل النجوم والسدم هي نفس العناصر التي تشكل أجسادنا، زادت درجة ارتباطنا مع الكون.
ولا تزال هناك العديد من الأسئلة التي يسعى الفلكيون للإجابة عليها مثل: “كم عمرنا؟”، “ما هو مصير الكون؟”
وربما الأكثر إثارة للاهتمام هو “ما مدى تميز كوننا؟ وهل يمكن لكون مختلف قليلًا أنْ يدعم الحياة؟”،
والسعي وراء تلك الأسئلة هو جزء أساسي من كونك إنسانًا،
ولكن في عالم يتحتم على المرء تبرير سعيه وراء المعرفة، يواجه الفلكيون بعض الصعوبات لوصف أهمية علم الفلك،
على الرغم من أنَّ الدراسات قد أثبتت أنَّ الاستثمار في العلوم الأساسية كالفلك وغيره له فوائد طويلة الأجل.
فعلى سبيل المثال، عندما كان فاراداي وغيره من الطلاب الأوائل يواصلون أبحاثهم التجريبية على ظاهرة الكهرباء والمغناطيسية منذ قرن أو أكثر
لم يفكروا في التطبيقات العملية الممكنة للمعرفة التي اكتسبوها، هم فقط فُتنوا بالمعرفة بحد ذاتها وكذلك كان ماكسويل عندما صاغ نظريته الكهرومغناطيسية.
ولولا اهتمام هؤلاء الباحثين بالسعي وراء المعرفة بدافع من الفضول الفكري، لم نكن لنعيش الآن في عصر الكهرباء.
فالتلغراف والهاتف والاتصال اللاسلكي بجميع أشكاله والمحرك الكهربائي مع تطبيقاته الصناعية العديدة لم يكنْ ليوجد الآن إذا لم يكن هؤلاء الباحثون قد اكتشفوا المبادئ الأساسية للكهرومغناطيسية.
وفيما يلي سنستعرض كيف ساهم علم الفلك في التطورات التي حدثت في قطاع الصناعة، والطيران والفضاء، والطب، والحياة اليومية.
أولا: من الفلك إلى عالم الصناعة
أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
تطور مجال التصوير والاتصالات بشكل كبير عندما انتقلت التكنولوجيا من عالم الفلك إلى عالم الصناعة. فمثلًا،
شريط التصوير البانكروماتي (panchromatic) المصنع من قبل كوداك، الذي يُستخدم في الوقت الراهن على نطاق واسع من قِبَل علماء التحليل الطيفي في مجال الطب والصناعة ومن قِبَل المصورين والفنانين،
كان قد تم صنعه في الأصل لعلماء الفلك الشمسي لكي يتمكنوا من رصد التغيرات التي تحدث على سطح الشمس.
بالإضافة إلى ذلك، حصل ويلارد بويل (Willard S. Boyle) وجورج سميث (George E. Smith) عام 2009 على جائزة نوبل في الفيزياء لتطويرهم جهاز يمكن استخدامه على نطاق واسع في الصناعة،
ألا وهو جهاز ربط الشحنات (Charged Coupled Device) الذي استخدم لأول مرة عام 1976؛ لزيادة حساسية التقاط الصور لتحسين الصور الفلكية،
الذي حل بغضون أعوام قليلة محل شريط التصوير ليس فقط على التلسكوبات، وإنما أيضًا في العديد من الكاميرات الشخصية والهواتف المحمولة وكاميرات الويب.
ويعزى تحسين وشعبية أجهزة ربط الشحنات إلى قرار ناسا في استخدامها تلك التكنولوجيا على تلسكوب هابل الفضائي.
وهناك العديد من الأمثلة الأخرى على انتقال التكنولوجيا من الفلك إلى الصناعة والتي سنقوم بسردها أدناه:
أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
- تستخدم شركة جينيرال موتورز (General Motors) لغة برمجة فلكية (IDL)؛ لتحليل البيانات من حوادث السيارات.
- تستخدم شركة براءات الاختراع الأولى لتقنيات رصد الإشعاع التثاقلي الناتج عن تسارع الأجسام الضخمة؛ لمساعدتها على تحديد مدى الاتزان التثاقلي لخزانات النفط تحت الأرض.
- تستخدم شركة الاتصالات (AT&T) مجموعة من البرامج المكتوبة في المرصد الوطني لعلم الفلك البصري (IRAF)؛ لتحليل أنظمة الحاسوب ورسومات فيزياء الحالة الصلبة.
- كان لاري ألتشولر (Larry Altschuler)، وهو عالم فلك، مسؤولًا عن تطوير التصوير المقطعي من خلال عمله على إعادة بناء الهالة الشمسية من مساقطها.
ثانيًا: من الفلك إلى قطاع الطيران والفضاء
أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
يتشارك الفلك مع قطاع الطيران في معظم التقنيات، وتحديدًا في أجهزة التلسكوبات والأجهزة الأخرى، وكذلك في التصوير وتقنيات معالجة الصور.
فمنذ تطوير التلسكوبات الفضائية، أصبح استخلاص المعلومات المتعلقة بالدفاع محصورًا على التقنيات الجوية والفضائية بدلًا من التقنيات الأرضية. فكما نعلم أنَّ أقمار الدفاع هي في الأصل تلسكوبات موجهة للأرض بشكل أساسي؛ فلذلك تتطلب تقنيات وأجهزة مماثلة لتلك المستخدمة على نظيراتها الفلكية. وبالإضافة لذلك، فإنَّ معالجة صور الأقمار الصناعية تستخدم نفس البرامج والعمليات المستخدمة لمعالجة الصور الفلكية.
وفيما يلي بعض الأمثلة على التطورات الفلكية المستخدمة في الدفاع:
- تُستخدم أرصدة النجوم ونماذج الأغلفة الجوية للنجوم للتمييز بين أعمدة الصواريخ والأجسام الكونية، وحاليًا تتم دراسة نفس الطريقة لاستخدامها في أنظمة الإنذار المبكر.
- تُستخدم مراقبة الكوكبات النجمية في هندسة الطيران والفضاء، والتي بالأصل تستخدم في معايرة وتوجيه التلسكوبات الفلكية.
- طوَر علماء الفلك عدَّادًا يمكنه قياس جسميات الضوء القادمة من خلال مصدر ما خلال النهار بدون التأثر بالجسيمات القادمة من الشمس، ويمكن استخدام نفس التقنية لاكتشاف الغازات السامة.
- تعتمد أقمار النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) على أجسام فلكية، مثل الكوازارات والمجرات البعيدة، لتحديد المواقع بدقة عالية.
ثالثًا: من الفلك إلى قطاع الطب
أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
يناضل علماء الفلك باستمرار لرؤية الأشياء التي تكون باهتة وبعيدة للغاية. ويكافح الطب مع مشكلات مماثلة، إذْ يناضلون لرؤية الأشياء المحجوبة داخل جسم الإنسان.
فلهذا يتطلب كلا التخصصين صورًا عالية الدقة ومفصلة.
ولعل أبرز مثال على انتقال المعرفة بين تخصصي الفلك والطب هو تقنية التوليف التجميعي، التي طورها عالم الفلك الراديوي والحائز على جائزة نوبل، مارتن رايل (Martin Ryle).
هذه التكنولوجيا تُستخدم حاليًا في التصوير المقطعي، تصوير الرنين المغناطيسي (MRIs)، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، والعديد من أدوات التصوير الطبي الأخرى.
مثال آخر مهم على كيفية مساهمة البحوث الفلكية في عالم الطب هو تطوير مناطق العمل النظيفة.
إذْ يتطلب تصنيع التلسكوبات الفضائية بيئة نظيفة للغاية لمنع الغبار أو الجزيئات التي قد تحجب أو تعرقل المرايا أو الأدوات الموجودة على التلسكوبات
وتستخدم المستشفيات والمختبرات الصيدلانية الآن بروتوكولات غرف الأبحاث ومرشحات الهواء، التي تم تطويرها لتستخدم أولاً في مجال الفلك. وهذا إلى جانب العديد من الإسهامات العديدة لعلم الفلك إلى قطاع الطب.
أخيرًا: الفلك في حياتنا اليومية
أهمية دراسة علم الفلك في حياتنا
هناك العديد من الأشياء التي يصادفها الأشخاص على أساس يومي مستمدة من التقنيات الفلكية.
ولعل أكثر اختراعات علم الفلك استخدامًا هي شبكة المنطقة المحلية اللاسلكية (WLAN). ففي عام 1977، طور جون أو سوليفان (John O’Sullivan) طريقة لزيادة حدة الصور المستخلصة من التلسكوب الراديوي.
وتم تطبيق نفس الطريقة على الإشارات الراديوية بشكل عام، وعلى وجه التحديد على تلك المخصصة لتعزيز شبكات الكمبيوتر،
والتي أصبحت الآنْ جزءًا لا يتجزأ من جميع تطبيقات شبكة المنطقة المحلية اللاسلكية.
وفيما يلي سنعترض التقنيات الأخرى المهمة في حياتنا اليومية التي تم تطويرها في الأصل لعلم الفلك:
- تستخدم تقنيات مراصد الأشعة السينية أيضًا في أحزمة الأمتعة في المطارات التي تستخدم الأشعة السينية.
- في المطارات، يتم استخدام كروموتوغراف غازي – لفصل وتحليل المركبات – المصمم في الأساس لرحلة المريخ في مسح الأمتعة والمخدرات والمتفجرات.
- يستخدم الآن مطياف أشعة جاما، الذي استخدم في الأصل لتحليل التربة القمرية، كوسيلة غير مؤذية لاكتشاف الضعف الهيكلي للمباني التاريخية أو النظر خلف الفسيفساء الهشة، كما هو الحال في كنيسة القديس مرقس في البندقية.
على الرغم من أن تأثير العلوم الأساسية يصعب قياسه بطريقة كمية وموضوعية، ولكننا بتنا الآنْ نعرف أنَّ علم الفلك جزء مهم من المجتمع.
وهناك المئات من الفلكيين المتحمسين الذين يكرسون حياتهم بلا كلل لدراسة الشمس،
والنجوم، والسدم؛ سعيًا وراء الحقيقة المطلقة، على الرغم من أنَّه قد لا يكون لدراستهم أي تطبيقات عملية في الوقت الحالي
، ولكن قد تُمَكِنُنا أبحاثهم في يوم من الأيام من عمل تنبؤات بعيدة المدى لأحوال الطقس بدقة متناهية،
أو قد تساعدنا في الحصول على الطاقة اللامتناهية المحصورة داخل الذرة. في نهاية المطاف،
ستبقى مهمة علم الفلك الأساسية هي السماح للمرء بمعرفة المزيد من المعلومات حول الكون ومساعدته على تعلم التواضع،
فمهما قدم علم الفلك من فوائد اقتصادية وصناعية فإنها ستبقى دائما ثانوية بالنسبة لقدرة علم الفلك على تحرير ذهن الإنسان.
المصدر موقع الباحثون المصريون